رغم أن الكثير ممن يدعون بأنهم على إتصال بعالم الأرواح كاذبون، أو أنهم يعانون نوعا من الوهم والخيال، لكن ثبت أن الإتصال بعالم الأرواح ممكن، وقد تحقق فعلا لبعض العلماء، حتى أنهم توصلوا إلى بعض الحقائق عن طريق الأرواح.
وهذه القضية بذاتها دليل واضح على وجود عالم البرزخ وحقيقته، فهي تبين أن بعد عالم الدنيا والموت وقبل القيامة في الآخرة، هناك عالم آخر قائم بذاته1. كما أن الأدلة العقلية لإثبات تجرد الروح وبقائها بعد فناء الجسم بنفسها دليل آخر على وجود عالم البرزخ.
سورة في القران عن عالم البرزخ:
[color="plum"يتفق علماء الإسلام على أصل وجود البرزخ وما يقع فيه من نعمة ونقمة مع بعض إختلافات جزئية بين هؤلاء العلماء، ويتفق علماء السنة والشيعة على وجود البرزخ باستثناء عدد قليل غير ملحوظ.
والدليل على الإتفاق بين هؤلاء العلماء واضح، وهو تصريح الآيات القرآنية بوجود البرزخ وما فيه من نعمة وعذاب. ومنها ما صرح بذلك في الحديث عن الشهداء: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ آل عمران:169. ﴿فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ آل عمران:170.
وليس فقط هذه المجموعة من الصالحين قد أنعم الله عليها، بل إن مجموعة من أسوأ الطغاة والمجرمين يعذبهم الله، كما أن تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية 46 من سورة غافر.
قال تعالى: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾ غافر:46.
]والأحاديث متواترة بهذا الصدد، فلا نقاش في وجود عالم البرزخ أساسا، والمهم أن نعرف حياة البرزخ وشكلها، فقد ذكرت له صورة مختلفة، أوضحها أن أرواح البشر بعد ترك هذه الدنيا، تدخل أجساما لطيفة سامية عن آثار هذه المادة القذرة، إلا أنها على شكل أجسامنا، ويقال لكل منها (الجسم المثالي) وهو ليس مجردا تمام التجريد، ولا هو ماديا محضا. إنه يمتاز بتجرد برزخي معين، وشبهه بعضهم بما عليه الروح في أثناء ما يراه النائم، إذ تسر الروح رؤية النعم، وتعذبها مشاهدة المناظر المؤلمة، ولذلك أثر في جسمنا هذا، إذ نبكي عند رؤية حلم مزعج، ونفزع مذعورين من هول ما نرى، أو نضحك من أعماقنا من طرافة ما نحلم به في نومنا.
ويرى جماعة أن الروح تقوم بنشاط في الجسم المثالي، بل يرون أكثر من ذلك، ألا وهو قدرة الأرواح القوية على إكتساب حالة التجرد البرزخي في يقظة الإنسان أيضا. أي تنفصل الروح عن الجسم. وتتحرك في الجسم المثالي برغبتها أو بالتنويم المغناطيسي، تتحرك في العالم لتطلع على بعض القضايا.2
بل إن البعض قال بوجود الجسم المثالي في جسم كل إنسان، وأنه ينفصل عنه في بداية الحياة البرزخية، ويمكن أن يقع ذلك في هذه الدنيا.
وإذا رفضنا جميع هذه الصفات للجسم المثالي، فلا يمكن نفي الموضوع أصلا، بسبب إشارة أحاديث عديدة إليه، ولإنعدام المانع العقلي منه.
وبهذا يتضح جواب الإعتراض القائل بأن الإعتقاد بالجسم المثالي يستوجب الإعتقاد بالتناسخ، الذي يعني إنتقال الروح من جسم إلى آخر.
لقد رد الشيخ البهائي هذا الإحتجاج بوضوح، فقال: إن التناسخ الذي يرى بطلانه جميع المسلمين، هو عودة الروح بعد تفسخ الجسم الذي كانت فيه إلى جسم آخر في هذه الدنيا.
أما إختصاص الروح بالجسم المثالي في عالم البرزخ حتى يوم القيامة، ثم عودتها إلى الجسم الأول بأمر من الله تعالى لا علاقة له بالتناسخ، والسبب أننا ننفي التناسخ بشدة ونكفر الذي يعتقد به، هو قولهم بأزلية الأرواح وإنتقالها الدائمي من جسم إلى آخر، وإنكارهم المعاد الجسماني في عالم الآخرة.3
والقول بوجود الجسم المثالي في باطن الجسم المادي يجلي الجواب عن هذا الإشكال، إذ لا تنتقل الروح من جسم إلى آخر، بل تترك بعض قوالبها، وتستمر في قالب آخر في حياتها البرزخية.
والسؤال الآخر هو أنه يفهم من آيات قرآنية أن لا حياة برزخية لمجموعة من الناس، كما جاء في الآية الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين من سورة الروم! ﴿ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون *وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون﴾.
وجواب هذا الإعتراض، جاء في أحاديث فحواها أن الناس ثلاث فئات: فئة مؤمنة مخلصة في إيمانها، وفئة مخلصة في كفرها، وفئة متوسطة ومستضعفة. وإن عالم البرزخ خاص بالفئتين الأولى والثانية، أما الثالثة فتعبر عالم البرزخ في حالة من عدم الإطلاع.
المواضيع المتشابهه:
hgfv.o