زكريات مدينة إدكو في شهر رمضان 1985 , مدينه ادكو في شهررمضان 2025
في جميع أنحاء إدكو في شهر رمضان يوميا كانت الأفران الطينية توقد من بعد العصر ويخبزون العيش الطري ومعه لابد من صواني المقالي أو السمك المشوي بالزيت والليمون أو الزنجاري أو صينية البطاطس باللحم وفي العشرة أيام الأخيرة تمتلئ سماء إدكو وشوارعها وأزقتها برائحة عادة رمضان من كعك وبسكويت وغريبة في البيوت وإرسال بعض الأسر لهذه المخبوزات إلى الأفران البلدية وأتذكر فرن عبد المحسن عيسى وابنائه النشرة وزكريا رحمه الله وفرن الحاج أحمد العدل وأخيرا فرن الحاج محمد عناني أبو ستة وأخوه الحاج رزق الذي كان يعمل قبل ذلك في فرن العدل وكلها كانت في منطقة المحطة حولنا ما عدا فرن رزق عناني بالمنطقة الغربية . المهم رائحة السمن البلدي والمحبوزات وصاجات البسكويت والكعك والغريبة وصنع هذه العادة الرمضانية التي يعلم بها الله كانت قصة ما بعدها قصة بدءا من شراء الدقيق الفاخر الأمريكي وانتقائه بعناية والسمن البلدي أو الصناعي الهولندي والسمسم وعلك العجوة من رطب البلح الحياني والمخزنة أصلا لهذا الغرض والسمسم وبعض المكسرات – للأغنياء فقط - ثم مرحلة العجين في العجانة الفخار الملساء ورب سمن الغريبة مع السكر في القصعة الخشبية الكبيرة ثم لف أوفتل الكعك وحشوه بالعجوة المقلية في السمن ونقش الكعك بالمنقاش النحاسي أو الألومنيوم ثم خبزه وتحميره ثم رشه بالسكر المسحوق السكر البودرة الناعم وكان في طفولتي يسحق ويدق في الهاون الكبير ثم صنع المعمول أو المعمولة وحشوه بالعجوة أو بحلوى الملبن ووضع خرج الموز لإكسابه رائحة زكية طيبة ثم وضعه في مضرب خشبي منقوش أصلا وهذا كنا نستعيره من بعض الحلوانية أصدقائنا لمدة ليلة ونرجعه لهم مع بعض مما صنعنا وكنت أشنف آذاني بطرق هذا المضرب على الطبلية التي نصنع عليها هذه المخبوزات وكنا في البيت نتسابق بل يصل لحد العراك على من يدير ماكينة البسكويت اليدوية ذات المشط الأمامي ليعطي أشكال متنوعة من البسكويت ومن الذي يقص بالمقص كل قطعة بسكويت ويضعها في الصينية أو الصاجة بمقاس الأيدي الصغيرة الرقيقة وهذا المسلسل لصنع العادة الرمضانية المكلفة لاينقطع ولا يتوقف سواء أكنا فقراء أو أغنياء وأمي رحمها الله تأتي إليها جدتي وخالاتي البنات ليساعدوها وهي تذهب إليهم وكذلك مشاركة الجيران بروح فريق لإقامة أ‘عظم مشروع غذائي للأفطار به حتى أيام عيد الأضحى مع الشاي بالحليب صباحا أو مساء يالها من أيام!! ربما تسببنا في كل أنواع التلوث الصوتي والهوائي والضوضائي أي التلوث البيئي بكل أنواعه حتى عفوا- التلوث الاقتصادي للفقراء منا وفي النهاية يأتي العيد ويفرح الجميع وتقدم كل سيدة في منزلها العادة التي يعلم بها الله هي والحلبة الخضراء والترمس والسوداني الصحيح بقشره الذي حمصته في الفرن وبعدما تصنع هذه العادة وكذلك التمر بأجود أنواعه وهو ما يسمونه كعب الغزال الذي يصدر شخشخة كأنه حصوات الصخر أو الزلط من جفافه وكذلك بعض المشروبات الهاضمة وتخيل كمية السكر والكوليسترول الذي تكتسبه في زياراتك في أيام العيد الثلاثة في بيتك وفي بيوت جيرانك وعائلتك وأصدقائك ولا بد أن تجبر خاطر الجميع بقولهم اجبرنا أو جابر معنا وبجبر خواطرهم ويهدم صحته وإذا لم أجبر خاطرهم فالسيدات يغضبن ويشعرن أن تعبهن راح في شربة مية ماء وبات كرم أهل البيت للبيت نفسه وتفتش في دفاترها ربما لم يأكل لأنه غير لذيذ أو لأن السمن قليل أو الدقيق غير جيد أو المخبوزات ليست ناعمة ومليون علة وعلة وسبب إذا لم تجبر الخواطر وتذوق وتجامل بقولك في كل بيت الله ما أكلت ألذ من هذا في حياتي وقتها جاءها العيد بكل فرحته وحلاوته وارتفعت الروح المعنوية تحلق في عنان السماء لتسابق الدخان الذي صعد في السموات العلا حين صناعته .
الأهم من ذلك كله ما كان يفعله الرجال والنساء في هذا الشهر الكريم في الأيام الماضية قبل زحام المسلسلات والأفلام والفوازير التليفزيونية التافهة ولهذه الذكريات
انتظرونآُ
زكريات مدينة إدكو في شهر رمضان 1985 , مدينه ادكو في شهررمضان 2025