بحث علمى عن مخترع التليفون 2024 ، بحث عن مخترع التليفون 2025 جاهز للطبع
"ألكسندر جراهام بيل" (3 مارس 1847 - 2 أغسطس 1922) هو العالم البارز والمخترع والمهندس والمبتكر البارع الذي يرجع إليه الفضل في اختراع أول جهاز تليفون تم استخدامه في العالم. لقد ارتبط كل من والد "بيل" وجده وأخيه بالعمل في مجال التخاطب وتصحيح النطق وتعليم الكلام للصم والبكم، وكانت والدته وزوجته من الصم؛ الأمر الذي كان له أثر بالغ على حياة "بيل" وعمله. وعلاوةً على ذلك، فقد دفعه بحثه في مجال السمع والكلام إلى إجراء تجارب عديدة على أجهزة السمع؛ الأمر الذي مكنه في النهاية من اختراع أول جهاز تليفون والحصول على أول براءة اختراع مسجلة بذلك في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1876. وبالنظر إلى حياته العلمية، نجد أن "جراهام بيل" اعتبر أن أبرز اختراعاته وأشهرها؛ ألا وهو اختراع التليفون، كان يعد بمثابة أمر توصل إليه بمحض الصدفة خلال ممارسته لعمله الأصلي بوصفه عالمًا في مجال الصوت، كما أنه رفض أن يكون لديه تليفون في حجرة مكتبه. ومن الجدير بالذكر أنه قد نُسِبَت له العديد من الاختراعات الأخرى التي أثْرَت حياته العلمية ولا سيما في الفترة الأخيرة من حياته، ومن بينها عمله الذي أحدث تقدمًا مذهلاً في صناعة زوارق وسفن الهايدروفويل (Hydrofoils) وعلم الطيران. في عام 1888، أصبح "ألكسندر جراهام بيل" أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية الجغرافية الوطنية في واشنطن The National Geographic Society
السنوات الأولى من حياته
ولد "ألكسندر بيل" في إدنبرة باسكتلندا في 3 مارس 1847 عام كانت عائلته تقطن في منزل في 16 شارع شارلوت بالمنطقة الجنوبية منه، إدنبرة، اسكتلندا، والآن يعد من الأماكن البارزة والمعالم الشهيرة حيث يوجد على بابه علامة تذكارية تدل على أن هذا المنزل هو مسقط رأس "ألكسندر جراهام بيل". وكان له شقيقان هما "ميلفيل جيمس بيل" (1845-1870) و"إدوارد تشارلز بيل" (1848-1867). ولكنهما تُوُفِيَا إثر إصابتهما بمرض السل. أما والده فهو البروفيسور "ألكسندر ميلفيل بيل" وأمه "إليزا جريس" (التي كانت تدعى قبل زواجها "سيموند")على الرغم من أنه منذ ميلاده كان يدعى "ألكسندر بيل"، فإنه عندما بلغ العاشرة من عمره توسل إلى والده وطلب منه أن يكون له كنية مثل شقيقيه. وفي عيد ميلاده الحادي عشر، قَبِل والده بكنية "جراهام" وسمح له بذلك وجاء اختيارهم لهذه الكنية من صميم حبهم وخالص إعجابهم بشخص كندي يدعى "ألكسندر جراهام" الذي كان يستضيفه والده وهو من أحد تلاميذه وأصبح صديقًا للعائلة. ولكن، ظل أقاربه وأصدقاءه المقربين يلقبونه باسم "أليك" الذي استمر والده يناديه به حتى قرابة موته.
أول اختراع قدمه "بيل"
عندما كان طفلاً صغيرًا، كان لدى "ألكسندر جراهام بيل" نزعة قوية لمعرفة واكتشاف كل شيء يحيط به في العالم الخارجي من حوله، الأمر الذي أدى إلى قيامه بتجميع عينات من النباتات لإجراء التجارب عليها وكان ذلك في مرحلة مبكرة من عمره. ولكن "بين هيردمان" كان صديقه المقرب وهو أحد أبناء أسرة مجاورة لهم كانت لديها طاحونة لصنع الدقيق وكان هذا هو حال العديد من المشروعات في بدايتها في هذا الوقت. وسأل الصغير "أليك" عن كيفية العمل في الطاحونة ولأمور التي ينبغي مراعاتها.
فقيل له إن القمح يتم طحنه من خلال القيام بعملية شاقة تتطلب المزيد من الكد والجهد. وعندما بلغ "بيل" الثانية عشرة من عمره، ابتكر آلة صنعها بيده في البيت لتحريك الأعمدة الدوارة التي يوجد بها مجموعات من فرشاة الأظافر وبذلك فإنه ابتكر آلة بسيطة لطحن القمح والتي تم تشغيلها واستخدمت لفترة زمنية استمرت عدة سنوات. وفي المقابل، منح "جون هيردمان" الفتيان فرصة إدارة ورشة صغيرة يمكنهم من خلالها اختراع وابتكار كل ما هو جديد. ومنذ سنواته الأولى، أبدى "بيل" مدى تأثره بالأشياء من حوله ومدى موهبته في الفن والشعر والموسيقى كل هذا بمساندة وتشجيع والدته. ودون تلقيه أي تدريب رسمي، فإنه تفوق في العزف على آلة البيانو وأصبح بذلك عازف البيانو الأول في الأسرة. على الرغم من أنه كان يتسم بالهدوء وكثرة التأمل والتفكير العميق، فإنه كان يجد متعة شديدة في المحاكاة والخداع الصوتي المماثل للتكلم من البطن الذي دائمًا ما يُعجب ضيوف العائلة. كما تأثر "بيل" للغاية بصمم والدته الذي أصابها بشكل تدريجي (حيث إنها بدأت بضعف سمعها عندما بلغ الثانية عشرة من عمره)، كما أنه تمكن من تعلم لغة الإشارة ولذلك فإنه كان يستطيع مجالستها والتحدث معها في صمت من خلال هذه الإشارات التي كانت تدوي في أرجاء البيت. كما عمل "بيل" على تطوير تقنية بسيطة للتحدث بوضوح واستطاع توجيه طبقة الصوت مباشرةً إلى رأس أمه ثم تعديلها والتي من خلالها تتمكن من سماعه بشكل واضح نسبيًا. فدفعه اهتمامه الكبير بإصابة والدته بالصمم - الأمر الذي أصبح شغله الشاغل - إلى دراسة علم الصوتيات. لقد ارتبطت عائلته إلى حد كبير بتدريس أساليب التخاطب، حيث كان جده "ألكسندر بيل" في لندن وعمه في دبلن وأبيه في إدنبرة كانوا جميعًا متخصصين في تصحيح النطق وتعليم الكلام للصم والبكم. ولوالده العديد من الأعمال المتعلقة بالتخاطب والنطق والتي قام بنشرها، ومعظمها لا يزال معروفًا حتى الآن، ونخص بالذكر The Standard Elocutionist (1860) Mackay 1997 وغير ذلك من الأعمال التي ظهرت في إدنبرة في عام 1868. لقد ظهر The Standard Elocutionist من خلال 168 نسخة بريطانية وتجاوزت مبيعاته ربع مليون نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وفي هذا الكتاب، شرح والده الأساليب التي توضح كيفية تعليم الصم والبكم (كما يطلق عليهم) التلفظ بالكلمات بوضوح وقراءة الحركات التي تبدو على شفاه الآخرين حتى يتوصلوا إلى المعنى المراد. كما لم يقم والده بتعليمه هو وإخوته كيفية كتابة الكلام المرئي (Visible Speech) فحسب، بل إنه قام بتعليمهم كيفية تحديد أي رمز وتعريفه ومعرفة أي صوت يصاحبه. وأصبح "جراهام بيل" (أليك كما كانوا يلقبونه) بارعًا جدًا لأنه أصبح جزءًا من الممارسات والتجارب العامة التي أسهم بها والده في هذا المجال، كما أنه أدهش الجميع عندما أبدى قدراته الخارقة في فك رموز باللغة اللاتينية أو اللغة الغيلية التي ينطق بها السلتيون الذين يسكنون مرتفعات اسكتلندا أو حتى اللغة الهندية القديمة.
تعليمه
عندما كان طفلاً صغيرًا، تعلم "جراهام بيل" مثل إخوته على يد والده حيث تلقى مراحل تعليمه الأولى بالبيت. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في سن مبكرة التحق بالمدرسة الثانوية الملكية(The Royal High School) في مدينة إدنبرة باسكتلندا وتخرج منها وهو في الخامسة عشرة من عمره وهو بذلك أكمل أول المراحل الأربع فقط. وكان سجله المدرسي حينذاك عاديًا إلا أنه كان يتميز بكثرة غيابه وتخلفه عن الحضور إلى مدرسته وعلاوة على ذلك فكانت الدرجات التي يحصل عليها عادية أيضًا ولا تلفت النظر إليه. وكان ينصب جم اهتمامه على دراسة العلوم، ولا سيما علم الأحياء، بينما كان لا يبدي أي اهتمام بالمواد الدراسية الأخرى؛ الأمر الذي كان يفزع والده الذي يتسم بالشدة. وعقب تخرجه من هذه المدرسة، سافر "جراهام بيل" إلى مدينة لندن للعيش بصحبة جده "ألكسندر بيل". وخلال العام الذي قضاه مع جده، بدأت بوادر حبه للتعلم والتعليم تبدو، حيث اعتاد على قضاء ساعات طويلة في المناقشة الجادة والدراسة. بذل جده "بيل" جهودًا كبيرة سعيًا وراء حث تلميذه الصغير على تعلم كيفية التحدث بوضوح والتحلي بأسلوب الإقناع إيمانًا منه بأهمية هذه الصفات التي ينبغي على "بيل" الصغير التحلي بها لكي يصبح معلمًا لنفسه. وعندما بلغ "بيل" السادسة عشرة من عمره، فإنه تمكن من تعلم وتعليم فن التخاطب والموسيقى وذلك في وستون هاوس أكاديمي (Weston House Academy) بمدينة إلجين، موراي، اسكتلندا. على الرغم من أنه كان طالبًا مسجلاً في دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية، فإنه كان يُعلِّم الدروس ويعطيها بنفسه في مقابل تناول الطعام وعشرة جنيه إسترليني عن كل حصة. وفي العام التالي، التحق بجامعة إدنبرة (The University of Edinburgh) بصحبة أخيه الأكبر "ميلفيل" الذي كان ملتحقًا بهذه الجامعة منذ عام مضى.
تجاربه الأولى الخاصة الصوت
لقد شجعه والده على الاهتمام بدراسة الصوتيات وتعليم الكلام وفي عام 1863 اصطحبه والده مع إخوته لرؤية عرض لروبوت الذي قد طوره السير "تشارلز ويتستون" (Charles Wheatstone) والذي كان في الأصل اختراعًا للعالم "فولفجانج فون كيمبلين.وعلى الرغم من أن أخاه قد قام بتصميمحلق وحنجرة الروبوت، فإن "بيل" تولى مسئولية أداء مهمة أصعب من ذلك بكثير ألا وهي إعادة تصميم جمجمة حقيقية للروبوت. وأسفرت جهوده عن تصميم رأس تشبه الرأس الحقيقة بصورة رائعة وغير عادية حيث تستطيع التحدث وإن كان بكلمات قليلة. فإن الروبوت البدائي كان يحاكي صوت البشر. وكان "بيل" (أليك) منبهرًا بهذه الآلة وبعد اقتنائه لنسخة لكتاب "فون كيمبلين" الذي تم نشره في ألمانيا وقام بترجمته بعد عناء طويل، قام هو وأخيه "ميلفيل" بتصميم رأس لجهاز روبوت خاص بهما. وقد أبدى والدهما اهتمامه الشديد بهذا الأمر وعرض عليهما تقديمه لأي دعم مالي لاقتناء أي مواد لازمة، وعهد إليهما على سبيل التشجيع بجائزة كبرى إذا حققا نجاحًا في ذلك. كما قاما بتعديل شفاه الروبوت بعناية وعندما كانت تلفظ الرئتان الهواء من خلال القصبة الهوائية، نطق بكلمة "ماما"؛ الأمر الذي أبهر الجيران وأسعدهم سعادة غامرة مما دفعهم للمجيء إليه لرؤية اختراع "بيل". ونتيجة لانبهار "بيل" بالنتائج التي توصل إليها إثر تصميمه لهذا الروبوت، فإنه واصل عمله في إجراء التجارب على أحد الكائنات الحية وهو كلب الصيد الصغير "تروفي" الذي كانت تملكه العائلة. وبعد أن قام بتمرين الكلب على الهرير باستمرار، بدأ "بيل" في أن يصل إلى فم الكلب ويمسك شفتيه بيده ليتحكم في إصداره للأصوات البسيطة عبر أحباله الصوتية مثل "أٌو آه أوو جا ما ما" (Ow ah oo ga ma ma). ومع قليل من الإقناع، بدأ الزائرون إلى حد ما يتصورون أن هذا الكلب ربما سيتلفظ في وقت ما بعبارة مثل "كيف حالك يا ...؟". وأكثر دلالة على سجية "بيل" التي تتسم بالهزل والمزاح أنه كانت لديه القدرة على إقناع المشاهدين من حوله بأنهم يرون كلبًا ناطقًا ولكن هذه التجارب الأولية التي أسفرت عن نتائج إيجابية خاصة بالصوت دفعت "بيل" للشروع في أول عمل جاد له بشأن نقل الصوت مستخدمًا الشوكة الرنانة لاكتشاف رنين الصوت. وعندما بلغ "بيل" التاسعة عشرة من عمره، كتب تقريرًا عن عمله وأرسله إلى "ألكسندر إليس" (Alexander Ellis) وهو أحد زملاء والده.ورد عليه على الفور إليس مشيرًا إلى أن هذه التجارب كانت مماثلة لعمل آخر في ألمانيا حينذاك. وعندما انزعج "بيل" انزعاجًا شديدًا بعدما علم أن عمله الرائع الذي سيحدث ضجة من وجهة نظره يقوم به الآن بالفعل العالم الألماني "هيرمان فون هلمهولتس" (Hermann von Helmholtz) الذي يقوم بتحويل الأصوات اللينة عن طريق تقنية جديدة مشابهة باستخدام الشوكة الرنانة، هَمَّ بقراءة كتاب لهذا العالم الألماني وهو (Sensations of Tone ). ومن خلال ترجمته للنسخة الأصلية للكتاب الألماني، استنتج "بيل" أن أساس عمله في المستقبل سينصب على مجال نقل الصوت، وأضاف "بيل" قائلاً: "فدون معرفة الكثير عن هذا الموضوع فإنه يبدو لي أنه إذا كانت الأصوات اللينة يمكن أن تصدر بوسيلة كهربائية فإن الأصوات الساكنة يمكن أن تصدر بنفس الوسيلة أيضًا وبذلك يمكن النطق بالكلمات."
مأساة عائلته
وفي عام 1865، عندما انتقلت عائلة "بيل" إلى لندن،عاد "بيل" إلى وستون هاوس أكاديمي كمدرس مساعد بها، وأثناء وقت فراغه كان يواصل إجراء التجارب على الصوت مستخدمًا عدد قليل من الأجهزة والأدوات المعملية. كما ركز "بيل" على إجراء التجارب باستخدام الكهرباء من أجل نقل الصوت ثم بعد ذلك كان يقوم بتركيب سلك التلغراف من حجرته في كلية سومرست (Somerset College) إلى حجرة أحد أصدقائه. وعلى مدار فصلي الخريف والشتاء في عام 1867، اضطربت حالته الصحية وكان ذلك بسبب التعب وكثرة الإجهاد. وكان شقيقه الأصغر "إدوارد تيد" طريح الفراش حيث كان يعاني من إصابته بمرض السل. على الرغم من أن "بيل" قد استعاد صحته (من هذا الحين يشير إلى نفسه باسم ألكسندر جراهام بيل "A.G. Bell") وعمل في السنة التالية بكلية سومرست Somerset College في مدينة باث، بمقاطعة سومرست، إنجلترا، فإن حالة أخيه الصحية كانت في تدهور تام. ولم يُشفَ "إدوارد" من مرضه. وبوفاة أخيه، قرر "بيل" العودة إلى موطنه في عام 1867. كما أن شقيقه الأكبر "ميلفيل" قد تزوج وترك المنزل. ومع أن "بيل" كان يطمح في الحصول على درجة علمية من جامعة لندن (University College London)، فإنه كان ينظر لسنواته التالية على اعتبار أنها تعد بمثابة سنوات تحضيرية لخوض الامتحانات التي تسبق الحصول على الدرجة العلمية ولذا كرس وقت فراغه لقضائه في منزل العائلة من أجل البحث والدراسة. كما أن مساعدته لوالده في الأبحاث والدراسات والمحاضرات الخاصة بالكلام المرئي قد دفعته للالتحاق للتدريس بالمدرسة الخاصة لـ "سوزانا إي هال" للصم (Susanna E. Hull's private school for the deaf) والتي توجد في جنوب منطقة كنسينجتون (South Kensington)، غرب لندن. وكان أول اثنين من الطلاب الدارسين لديه هما فتاتان من الصم والبكم واللتان حققتا تقدمًا ملحوظًا في تعلم النطق تحت إشرافه ورعايته. على الرغم من أنه كان يبدو أن أخاه الأكبر قد حقق نجاحًا في العديد من المجالات، منها فتح مدرسته الجديدة الخاصة بعلوم التخاطب وتعليم النطق وترشيحه للحصول على براءة اختراع لأحد الابتكارات علاوة على أنه كَوَّن أسرة، فإن "بيل" لم يزل مدرسًا. ومع ذلك، ففي مايو عام 1870، توفي "ميلفيل" إثر معاناته من مضاعفات نتجت عن إصابته بمرض السل، الأمر الذي أدى إلى مواجهة الأسرة لأزمة شديدة. كما أن والده كان يعاني من قبل من مرض تسبب له في معاناته من وهن وضعف عام في صحته ولكنه تماثل للشفاء واستعاد صحته عقب فترة النقاهة التي قضاها في نيوفاوندلاند (Newfoundland) بكندا. وعندما علم والداه بأن ابنهما الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو أيضًا يعاني من المرض، بدأ والداه في التخطيط لحياته. حيث قرر الأب "ألكسندر ميلفيل بيل" بشكل حاسم أن يطلب من "جراهام بيل" الترتيب لبيع جميع ممتلكات الأسرة، وإتمام جميع شئون إخوته (كما أن بيل كان مهتمًا بتلميذه الأخير الذي كان يعالجه من التلعثم (صعوبة التكلم)، ومشاركة والده ووالدته التخطيط للعيش في أمريكا، هذا العالم الجديد المقبلين عليه. وعلى مضض، قرر "بيل" أيضًا الانفصال عن "ماري إكليستون" (Marie Eccleston) وإنهاء علاقته بها ظنًا منه أنها لم تكن على استعداد لترك إنجلترا للسفر معه إلى خارج البلاد.
كندا
وفي عام 1870، وعندما كان يبلغ من العمر 23 عامًا، سافر "بيل" وأرملة شقيقه "كارولين" ("مارجريت أوتواي" ووالديه على سفينةSS Nestorian متجهين إلى كندا. وبعد وصولهم إلى مدينة كويبك الكندية، استقل "بيل" وعائلته أحد القطارات المتجهة إلى مدينة مونتريال ثم الانتقال منها فيما بعد إلى باريس في مقاطعة أونتاريو وقرروا البقاء مع القس توماس هندرسون (The Reverend Thomas Henderson) وهو أحد أصدقاء العائلة. وبعد بقائهم فترة قصيرة مع "هندرسون"، قامت عائلة "بيل" بشراء مزرعة تبلغ مساحتها عشرة فدادين ونصف بمرتفعات توتيلو (Tutelo Heights) (والتي يُطلق عليها الآن مرتفعات توتيلا Tutela Heights) والتي تقع بالقرب من مدينة برانتفورد (Brantford) بمقاطعة أونتاريو. وكانت هذه المزرعة تتكون من بستان وبيت كبير وإسطبل وحظيرة ومكان لتربية الطيور وآخر مخصص كجراج للسيارات، وكان يحد هذه المزرعة النهر الكبير ففي المزرعة، قام "بيل" بتأسيس معمله الخاص به في المنطقة المخصصة للسيارات بعدما تم تحويلها وتهيئتها لتناسب عمله والتي تقع بالقرب من المكان الذي يسميه بمكان حلمه وهو مكان كبير تحيط به الأشجار ويقع في نهاية المزرعة ويطل على النهر. على الرغم من ضعف حالة "بيل" الصحية عند وصوله إلى كندا، فإنه وجد المناخ الجيد والمكان المناسب مما ساعده على تحسن حالته الصحية بسرعة. ومن الجدير بالذكر أنه واصل بحثه واهتمامه بدراسة الصوت البشري وعندما اكتشف احتياطي الدول الست (The Six Nations Reserve) التي تطل على النهر الكبير في بلدة Onondaga الأمريكية، تعلم لغة الموهوك (Mohawk language) وترجم مفرداتها غير المكتوبة إلى رموز تتعلق بالكلام المرئي. وبالنسبة لعمله، فإنه قد تم منح "بيل" لقب رئيس شرف (Honorary Chief) علاوة على مشاركته في احتفال قام فيه بارتداء قبعة الموهوك ورقص الرقصات التقليدية. وبعد أن قام "بيل" بإنشاء معمله، بدأ في إجراء تجاربه التي تستند إلى عمل "هلمهولتس" المتعلق بالكهرباء والصوت. إنه صمم بيانو يمكن من خلال الكهرباء أن ينقل الموسيقى الذي تصدر منه لمسافة بعيدة. وبمجرد أن استقرت العائلة هناك، وضع كل من "بيل" ووالده خططًا لتطبيق عملية تعليم النطق وفي عام 1871، رافق والده في السفر إلى مونتريال حيث كان قد عُرِضَ عليه تدريس برنامج الكلام المرئي الخاص به.
عمله مع الصم
وفي وقت لاحق، وجهت "سارة فولر" (Sarah Fuller)، مديرة مدرسة بوسطن للصم والبكم (The Boston School for Deaf Mutes)، دعوة لوالده (وهذه المدرسة مازالت موجودة حتى الآن ولكنها يطلق عليها مدرسة مان هوراس العامة للصم The public Horace Mann School for the Deaf)، [36] في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، لكي يقدم برنامج الكلام المرئي من خلال تدريب المدرسين العاملين بمدرسة فولر، ولكنه رفض هذه الوظيفة لصالح ابنه. وإثر سفره إلى مدينة بوسطن في إبريل عام 1871، نجح "بيل" في تقديم الخدمات للمعلمين في المدرسة. ونتيجةً لذلك، كان قد طُلِبَ منه أن يعيد تدريس هذا البرنامج في المدرسة الأمريكية للصم والبكم (The American Asylum for Deaf-mutes) في هارتفورد وفي مدرسة كلارك للصم (The Clarke School for the Deaf) بمدينة نورث هامبتون. وبعد عودته إلى برانتفورد بعد قضاء ستة أشهر خارجها، استمر "بيل" في إجراء تجاربه على التلغراف التوافقي. وكانت تكمن الفكرة الأساسية من هذه الأداة التي ابتكرها في أن الرسائل يمكن إرسالها عن طريق سلك واحد إذا تم إرسال كل رسالة من الرسائل بدرجة مختلفة، باستثناء العمل على كل من جهاز الإرسال أو جهاز الاستقبال إذا اقتضت الضرورة ذلك.[38] غير أن "بيل" كان ليس واثقًا من مستقبله، ففكر أولاً في العودة مرة ثانية إلى لندن لإكمال دراسته ولكنه قرر العودة إلى مدينة بوسطن للعمل بها كمعلم. ولكن والده ساعده في الوصول لعمله الخاص من خلال الاتصال بـ "جاردينر جرين هوبارد" (Gardiner Greene Hubbard)، رئيس مدرسة كلارك للصم وذلك من أجل ترشيحه للعمل بها. ومن خلال تدريسه لبرنامج والده، فتح "ألكسندر بيل" في أكتوبر عام 1872 مدرسة في مدينة بوسطن تعرف باسم "فسيولوجيا الصوت وآليات النطق والكلام" (Vocal Physiology and Mechanics of Speech) التي نجحت في استقطاب عدد كبير من الطلاب الذين يعانون من الصمم. وكان يبلغ عدد طلاب أول فصل قام بالتدريس له 30 طالبًا. كان يعد بمثابة مدرس خصوصي، ومن أشهر تلاميذه "هيلين كيلر" (Helen Keller) التي التحقت لديه بالمدرسة في سن صغيرة وكانت لا تستطيع الرؤية أو السمع أو الكلام. وهي التي قالت في وقت لاحق إن "بيل" كرس حياته لاختراق "الصمت المخيف الذي يعزل الفرد عن الآخرين من حوله ويباعد بينهم". ومن الجدير بالذكر أن "ألكسندر جراهام بيل" تمتع بتأثيره الهائل على عالم الصم. إنه بعث العديد من الأفراد (أفراد مجتمع الصم ككل) من مدينة ميدستون بمقاطعة كِنت (Kent) في إنجلترا إلى جزيرة مارثاز فينيارد (Martha's Vineyard)، الجزيرة التي تقع بالقرب من مقاطعة كِنت. كما أنه لاحظ أن 80 في المائة من الصم يمكنهم التحدث بلغة الإشارة. في البداية كان على اقتناع بأنه من خلال اتباع أسلوب عزل الصم عن الآخرين سيتمكن من الحد من مشكلة الصمم (لأنه كان يرى أنها ترجع إلى العامل الوراثي). وتتلخص وجهة نظره التي كان يتبناها في أن "الوقاية خير من العلاج". وأجاز عملية الخصاء وأسس العديد من المراكز والمدارس الخاصة لتعليم الصم. وقد لاحظ "بيل" ازدياد عدد الأفراد المتزوجين الصم من بعضهم البعض وزعم بأن ذلك قد يؤدي إلى توارث الصمم؛ الأمر الذي ينتج عنه كارثة كبيرة تهدد العالم أجمع. والسؤال الذي نطرحه هنا: وقد رأى العديد من الإخصائيين ذوي الخبرة في هذا الوقت أن مشكلة الصمم تعد من المشكلات التي يمكن القضاء عليها معتقدين أنه بإمكانهم تعليم الصم كيفية التحدث فحسب وليس استخدام لغة الإشارة. وفي العديد من المدارس، كانت تتم معاملة الأطفال الصم بصورة سيئة وبشكل قاسٍ للغاية (على سبيل المثال، ربط أيديهم خلف ظهورهم حتى لا يمكنهم التحدث بلغة الإشارة؛ وهي اللغة الوحيدة التي يعرفونها جيدًا، وبذلك فإنهم سيضطرون إلى محاولة التحدث والنطق بالكلمات). ثم أنشأ في عام 1872 مدرسته في بوسطن وذلك لأن نظريته قد ثبت بطلانها وتم دحضها. وما زال الصم لديهم أطفال أصحاء لا يعانون من ضعف السمع وما زال الأفراد الأصحاء الذين لا يعانون من أي ضعف في السمع لديهم أطفال صم.
استمرار "بيل" في إجراء التجارب على الصوت
وفي العام التالي، أصبح "بيل" أستاذًا لفسيولوجيا الصوت وأساليب تعليم الكلام للصم والبكم بكلية التخاطب بجامعة بوسطن. وخلال هذه الفترة الزمنية، كان "بيل" ينتقل بين بوسطن وبرانتفورد، بينما كان يقضي شهور الصيف في منزله بكندا. وفي جامعة بوسطن، كان يدفعه ويشجعه حماس العديد من العلماء والمخترعين الذين يقطنون هذه المدينة. وواصل بحوثه في الصوت، وسعى جاهدًا لإيجاد طريقة لنقل النغمات الموسيقية والتلفظ بالكلمات، ولكن على الرغم من أن إجراء هذه التجارب كان يستحوذ على كل تفكيره، فإنه وجد أنه من الصعب تخصيص وقت كافٍ لإجراء هذه التجارب. على الرغم من أن "بيل" كان مشغولاً طوال الوقت بالتدريس والدورات التدريبية الخاصة، فإنه آثر السهر إلى وقت متأخر بالليل لكي يتمكن من إجراء تجربة تلو الأخرى بالأدوات المستأجرة في منزله الذي كان يقدم الطعام للنزلاء مقابل تقاضي أجر محدد على ذلك. ومع أنه كان يستمتع من خلال مواصلته العمل على مدار ساعات الليل بنشاط دائم واعتياده على السهر، فإنه كان قلقًا للغاية من اكتشاف غيره لعمله وكان يجد أنه من الصعب إتمام دفتر ملاحظاته وغلقه وكذلك إخفاء أدوات معمله. وكان لدى "بيل" طاولة صُنعت خصيصًا له لكي يتمكن من تدوين ملاحظاته ووضع أدواته الخاصة به عليها أو في أدراجها المغلقة عند جلوسه إليها. ولكن ذلك لم يدم طويلاً لأن صحته تدهورت بسبب معاناته من آلام الصداع الشديد. وعاد "بيل" إلى مدينة بوسطن في خريف عام 1873 متخذًا قراره الحاسم من أجل تكريس كل وقته وجهده للتركيز على إجراء تجاربه في مجال الصوت. ذلك، حيث قرر "بيل" التخلي عن عمله الخاص المربح في بوسطن ولكنه لم يزل معه سوى اثنين من الطلبة وهما "جورجي ساندرز" (Georgie Sanders)، الذي يبلغ من العمر ستة أعوام ويعاني من الصمم منذ ميلاده، و"مابيل هوبارد" (Mabel Hubbard) البالغة من العمر خمسة عشر عامًا. ذلك، لأن كل واحد منهما كان عليه أن يلعب دورًا مهمًا في التطورات التالية. كما عرض والد "جورجي"، الذي يُدعى "توماس ساندرز"، وهو أحد رجال الأعمال الأثرياء، على "بيل" بيتًا يسكن فيه بالقرب من مدينة سالم (Salem) مع جدة جورجي وأعد له حجرة مكتب خاصة لإجراء تجاربه بها. وعلى الرغم من أن العرض قدمته والدة "جورجي" وجاء ذلك عقب الترتيبات التي استمرت لمدة عام تقريبًا في 1872 حيث كان قد انتقل ابنها ومربيته إلى منطقة بالقرب من منزل "بيل"، فإنه كان من الواضح أن السيد "ساندرز" كان يرحب بهذا الاقتراح. وتم إعداد هذه الترتيبات من أجل كل من المعلم والطالب لمساعدتهما على استمرار عملهما معًا في حجرة مكتب مزودة بكل الإمكانات اللازمة ولوحة لتدوين الملاحظات عليها. بينما كانت "مابيل" فتاة جميلة وجذابة وكانت تلميذته لمدة عشرة أعوام ولكنها أصبحت الشخصية التي تستحوذ على اهتمام "بيل" وعاطفته. وبفقدها لحاسة السمع إثر تعرضها للحمى القرمزية وهي في الخامسة من عمرها تعلمت كيفية قراءة لغة وحركات الشفاه، ولكن والدها، "جاردنر جرين هوبارد"، ودافع "بيل" وصديقها الشخصي أراد لها أن تعمل مباشرةً مع معلمها.
التليفون
وبحلول عام 1874، كان قد دخل عمل "بيل" على التلغراف التوافقي في بدايته مرحلة التشكيل مع ظهور أول بوادر للتقدم أدت إلى تحقيقه نجاحًا كبيرًا من خلال عمله في معمله الجديد في بوسطن (المكان المستأجر) وكذلك في منزل أسرته في كندا.
وعلى الرغم من أن "بيل" كان يعمل في صيف هذا العام بمدينة برانتقورد، فإنه أجرى تجاربه على الفونوتوغراف (phonautograph) وهو جهاز يشبه القلم يستطيع رسم أشكال الموجات الصوتية التي تبدو على الزجاج المدخن (smoked glass) عن طريق تتبع الاهتزازات لتسجيل الصوت. ورأى "بيل" أنه ربما يكون من الممكن توليد تيارات كهربائية موجية مترددة تتوافق مع الموجات الصوتية. كما اعتقد "بيل" أن القصبات المعدنية المتعددة تتوافق مع الترددات المختلفة مثلما تستطيع إحدى الآلات الموسيقية (القيثار) تحويل التيارات الموجية المترددة إلى صوت. ولكنه كان لا يمتلك بين يديه نموذجًا عمليًا لإبداء مدى جدوى هذه الأفكار.
في عام 1874، اتسعت حركة الرسائل التلغرافية بشكل سريع وكما ورد على لسان رئيس شركة ويسترن يونيون (Western Union)، "ويليام أورتون" (William Orton)، أن ذلك أصبح يعد بمثابة "الجهاز العصبي للتجارة". كما عقد "أورتون" اتفاقًا مع المخترعين "توماس إديسون" (Thomas Edison) و"إليشا جراي" (Elisha Gray) لإيجاد طريقة تسهل إرسال الرسائل التلغرافية المتعددة عبر كل خط من خطوط التلغراف بهدف تجنب التكلفة الكبيرة التي يتم إنفاقها على إنشاء خطوط جديدة. وعندما أشار "بيل" إلى "جاردنر هوبارد" و"توماس ساندرز" بأنه يعمل على طريقة لإرسال نغمات الصوت المتعددة عبر سلك التلغراف مستخدمًا أداة متعددة القصبات، بدأ هذان الرجلان الثريان اللذان يتوليان مسئولية رعاية مشروع هذا الاختراع في تقديم الدعم المالي للتجارب التي يجريها "بيل". أما الأمور التي تتعلق ببراءة الاختراع، فكان يتعهد بها محامي "هوبارد"، ويُدعى "أنتوني بولوك" (Anthony Pollok)، المحامي المختص ببراءات الاختراع. وفي مارس عام 1875، زار "بيل" و"بولوك" عالم الفيزياء البارز "جوزيف هنري" (Joseph Henry) الذي أصبح فيما بعد مدير مؤسسة سميثسونيان (Smithsonian Institution) وطلبا منه إسداء النصيحة حول الجهاز الكهربائي متعدد القصبات الذي يأمل "بيل" في أنه قد ينقل صوت البشر عبر التلغراف. وأجاب "هنري" بأن "بيل" لديه "فكرة أساسية لاختراع عظيم". وعندما قال "بيل" إنه ليس لديه المعلومات الكافية ولا المعرفة التي تمكنه من مواصلة تجاربه، رد عليه "هنري" قائلاً: "حاول أن تتفهمها جيدًا". وكان هذا الحوار بمثابة دافع كبير حث "بيل" على مواصلة إجراء التجارب حتى وإن لم يكن لديه الأدوات المطلوبة لمساعدته على الاستمرار في إجراء تجاربه، أو كان ليست لديه القدرة على إيجاد نموذج عملي لتطبيق أفكاره. ومع ذلك، فإن الفرصة التي سنحت بمقابلة بين "بيل" و"توماس إيه واطسون" (Thomas A. Watson)، وهو مصمم كهربائي من ذوي الخبرة وعالم في الميكانيكا في مؤسسة الآلات الكهربائية لـ "تشارلز ويليامز" (Charles Williams) قد غيرت كل ذلك. ومن خلال الدعم المالي الذي قدمه كل من "ساندرز" و"هوبارد"، استطاع "بيل" تعيين "توماس واطسون" كمساعد له، وبدأ الاثنان في إجراء التجارب حول إمكانية إرسال الرسائل عبر التلغراف الصوتي (acoustic telegraphy). وفي يوم 2 يونيو عام 1875، استطاع "واطسون" بطريق الصدفة أن يمسك بإحدى القصبات واستطاع "بيل" من نهاية طرف السلك المستقبل سماع النغمات التوافقية للقصبة وهذه النغمات قد تعد ضرورية لنقل الكلام. وقد استنتج "بيل" من خلال ذلك أن قصبة واحدة أو عضو إنتاج واحد يعد ضروريًا وليس العديد من القصبات. وأدى ذلك إلى اختراع التليفون الذي اعتمد مصدر طاقته على ضغط الصوت وقوته بدلاً من الاعتماد على البطارية أو أي مصدر آخر من مصادر الطاقة كالكهرباء مثلاً، هذا بالإضافة إلى أن هذا التليفون استند في عمله إلى كل هيكل قائم تتوسطه قطعة متعارضة واستطاع في الوقت نفسه أن ينقل الأصوات دون تمييز ولكنه لم يستطع نقل الكلام بوضوح.
آخر المستجدات في اختراع التليفون
هذا، ومن خلال مواصلة "بيل" إجراء تجاربه في برانتفورد سعى "بيل" لإحضار نموذج عملي لتليفونه. وفي يوم 3 أغسطس 1876، ومن مكتب التلغراف بمدينة ماونت بليزانت (Mount Pleasant) التي تبعد عن برانتفورد بخمسة أميال (أي ما يعادل 8 كيلومتر)، أرسل "بيل" تلغرافًا تجريبيًا دلالةً على أنه على أتم استعداد لبدء العمل. كما احتشد العديد من الأفراد كمشاهدين في مكتبه جاءوا يهتفون له حتى سُمِعَ دَوِيّ أصواتهم. وفي الليلة التالية، أدهش "بيل" الضيوف وعائلته بسماعهم رسالة تم استقبالها في المنزل من مدينة برانتفورد التي تبعد عنه بأربعة أميال (6 كيلو متر) وذلك من خلال سلك تم ربطه بخطوط التلغراف وأسواره وتم وضعه عبر قنواته. وفي هذا الوقت سمع الضيوف بوضوح في المنزل العديد من الأفراد في برانتفورد يقرءون ويرددون الهتافات والأغاني. وعلاوة على ذلك، أثبتت التجارب بوضوح أن التليفون بإمكانه العمل لمسافات طويلة. كما عرض "بيل" وشريكاه، "هوبارد" و"ساندرز" بيع براءة الاختراع مباشرةً إلى شركة ويسترن يونيون في مقابل 100000 دولار أمريكي. ولكن رئيس شركة ويسترن يونيون رفض ذلك قائلاً إن التليفون لا يمثل شيءًا ذا أهمية سوى أنه يعد دمية. وبعد عامين، أخبر زملاءه بأنه لو تمكن من الحصول على براءة الاختراع هذه مقابل 25 مليون دولار أمريكي، فإنه بذلك سيعتبرها صفقة من أهم صفقاته. وفي هذا الحين، لم تعد شركة "بيل" ترغب في بيع براءة الاختراع. أصبح ممولو "بيل" من أصحاب الثروات التي تقدر بالملايين بينما حقق "بيل" نجاحًا هائلاً من الوحدات المتبقية، ونتيجة لذلك فإنه امتلك أصولاً تقدر قيمتها تقريبًا بمليون دولار. بدأ "بيل" سلسلة من النظريات والتجارب العملية والمحاضرات لكي يقدم اختراعه الجديد للمجتمع العلمي خاصةً ولجميع الأفراد عامةً. وبعد مرور يوم واحد فقط على محاضرته الأولى عن النموذج الأصلي للتليفون في المعرض الدولي المئوي (Centennial Exposition) الذي أقيم بفيلادلفيا (Philadelphia) عام 1876، أدى هذا الأمر إلى تصدر اختراع التليفون العناوين الرئيسية في مقالات الصحف في جميع أنحاء العالم. شملت أعداد الزوار القادمين إلى المعرض شخصيات مهمة منها إمبراطور البرازيل "بيدرو الثاني" (Emperor Pedro II of Brazil) ثم بعد ذلك أتيحت لـ "بيل" الفرصة لإلقاء محاضرة بنفسه عن اختراعه أمام "ويليام تومسون" (William Thomson) العالم الاسكتلندي البارز والملكة فيكتوريا التي طلبت سماعها خاصة في أوسبورن هاوس (Osborne House)، جزيرة وايت (Isle of Wight)، وصرحت بأن هذه المحاضرة كانت هي الأكثر روعة من غيرها. وكان لهذا الحماس والإعجاب الشديد الذي أحاط العروض العامة التي قدمها "بيل" تأثير كبير حيث نم ذلك عن مدى القبول الدولي لاختراعه الذي أحدث ثورة في عالم تكنولوجيا الاتصالات. كما أسس "بيل" شركة للتليفونات (Bell Telephone Company) في عام 1877، وبحلول عام 1886، اقتنى ما يزيد عن 150000 فرد في الولايات المتحدة الأمريكية تليفونات خاصة بهم. كما قام مهندسو شركة "بيل" للتليفونات بعمل العديد من التحسينات على التليفون الذي بدا وكأنه واحد من أضل المنتجات التي حققت نجاحًا وتميزًا على الإطلاق. وفي 1879، قامت شركة "بيل" بشراء براءات اختراع العالم "إديسون" الخاصة بالميكروفون الكربوني من شركة ويسترن يونيون. مما أدى إلى جعل التليفون صالحًا للعمل للمسافات الطويلة ولم يعد من الضروري التحدث بصوت عالٍ للغاية لكي يتم سماعه في التليفون المتلقي للاتصال.
وفي يوم 25 يناير 1915، أجرى "بيل" أول مكالمة هاتفية عبر القارة. حيث أجرى "بيل" الاتصال من 15 شارع داي ستريت في مدينة نيويورك وسمعه"توماس واطسون" في 333 شارع جرانت أفينيو في سان فرانسيسكو. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:
المنافسون
وكما هو شائع من حين لآخر في مجال الاكتشافات العلمية ظهور التطورات المتزامنة التي من الممكن أن تحدث في آنِ واحد فكان هو الحال مع عدد من المخترعين الذين عملوا على التليفون. وعلى مدار 18 عامًا، واجهت شركة بيل للتليفونات ما يزيد عن 600 دعوى قضائية تطرح تحديات بشأن الحقوق المتعلقة باختراع التليفون ولكن لم ينجح أي منها في إثبات السبق لها على براءة اختراع "بيل" الأولى، ولم تخسر شركة "بيل" للتليفونات أية قضية من القضايا منذ أن تم رفعها إلى مرحلة النطق بالحكم فيها. تعد الملاحظات المعملية التي دونها "بيل" وخطاباته التي أرسلها إلى أسرته من أهم الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى إجراء سلسلة من التجارب يرجع نسبها إليه. كما نجح محاميو شركة "بيل" للتليفونات في التصدي لعدد كبير من الدعاوى القضائية بدءًا من التحديات التي قادها "إليشا جراي" و"أموس دولبير" (Amos Dolbear). ووفقًا للمراسلات الشخصية لـ "بيل"، فقد اعترف كل من "جراي" و"دولبير" بأنه كان له السبق في مجال العمل على التليفون؛ الأمر الذي قلل من صحة ادعاءاتهم ومزاعمهم فيما بعد. وفي يوم 13 يناير 1887، تقدمت الحكومة الأمريكية بقرار رسمي لإلغاء براءة الاختراع التي سبق ومنحتها إلى "بيل" وذلك وفقًا لأسباب تتعلق بالاحتيال وتحريف الحقائق المادية. وبعد إصدار سلسلة من القرارات وأحكام النقض، تمكنت شركة "بيل" من الحصول على حكم لصالحها من المحكمة العليا على الرغم من أن هناك عدد قليل من الدعاوى القضائية التي أقيمت بالمحاكم الابتدائية لم يتم الفصل فيها حينذاك.وعندما عانت المحكمة على مدار تسعة أعوام من المعارك القضائية، توفي النائب العام الأمريكي ويوجد اثنتان من براءات اختراع "بيل" غير ساريتا المفعول على الرغم من أن القضاة الذين كان يترأسون الجلسة وافقوا على استمرار الإجراءات نتيجة للأهمية التي تحظى بها القضية باعتبار أنها "سابقة قانونية" هي الأولى من نوعها. ومع تغير الإدارة وظهور تهم تضارب المصالح (على مستوى الجانبين) الناجمة عن المحاكمة الأولى، أرجأ النائب العام الأمريكي دعوة قضائية في يوم 30 نوفمبر 1897 دون الحكم في العديد من القضايا الموضوعية. وخلال الشهادة الرسمية التي أدلى بها أمام ساحة القضاء في عام 1887، ادعى أيضًا المخترع الإيطالي "أنطونيو ميوتشي" (Antonio Meucci) أنه ابتكر النموذج العملي الأول للتليفون في إيطاليا عام 1834. وفي عام 1886، وفي القضية الأولى من القضايا الثلاثة التي كان "ميوتشي" طرفًا فيها، أقسم اليمين وأدلى بشهادته بوصفه شاهدًا آملاً في أن يحصل على أسبقية اختراعه. وقد تم دحض الحجة التي أتى بها "ميوتشي" في هذه القضية وذلك استنادًا إلى عدم كفاية الأدلة المادية التي قدمها عن اختراعه مثل كونه قام بتصميم نماذج عملية مقدمًا إياها في تقارير قد تم فقدها في معمل شركة ويسترن يونيون. واعتمد عمل "ميوتشي"، مثل عمل معظم المخترعين الآخرين في هذه الحقبة الزمنية، على المبادئ الصوتية السابقة، وعلى الرغم من أنه كان لديه دليلاً على تجاربه المبكرة فإن القضية الأخيرة التي كان "ميوتشي" طرفًا فيها قد سقطت بموت "ميوتشي". ومع ذلك، فبفضل جهود عضو الكونجرس "فيتو فوسيلا" (Vito Fossella)، أصدر مجلس النواب الأمريكي في يوم 11 يونيو لعام 2002 قرارًا بأن "عمل "ميوتشي" في اختراع التليفون يجب الاعتراف به"، رغم أن ذلك لن يضع نهاية للجدل المثار حول هذه المسألة. : لم يوافق عدد من الدارسين حديثي العهد على الادعاءات التي تقول إن عمل "بيل" على التليفون قد تأثر باختراعات "ميوتشي". لقد تم الاعتراف بأهمية براءة اختراع "بيل" في جميع أنحاء العالم كما تم إجراء العديد من الأساليب التطبيقية العملية على هذه البراءة في معظم دول العالم الكبرى، ولكن عندما قام "بيل" بتأجيل تطبيق براءة الاختراع الألماني كانت تتم إدارة الشركة الكهربائية سيمنز لـ (S&H) Siemens & Halske لتأسيس مصنع منافس لشركة "بيل" للتليفونات بموجب براءة الاختراع الخاصة بهم. قامت شركة سيمينز (Siemens) بإنتاج العديد من النماذج التي تشبه إلى حد كبير تليفون "بيل" دون التزامها بدفع أي رسوم لحقوق براءة الاختراع. هناك سلسلة من الاتفاقيات التي تنص عليها الدول الأخرى في الآونة الأخيرة والتي قامت بتوحيد العمليات الدولية للتليفون. وقد نتج عن الضغط الواقع على "بيل" من خلال سلوكياته النمطية التي بدت عليه وهو في المحكمة وهذا ما كانت تقتضيه المعارك القضائية في نهاية المطاف تقديمه استقالته من الشركة.
اختراعاته الأخرى
على الرغم من أن ألكسندر جراهام بيل ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا باختراع التليفون، فإن له اختراعات أخرى كانت تحظى بقدر من الأهمية. ووفقًا لما صرح به كاتب سيرته الذاتية، شارلوت جراي، أن عمل "بيل" تفاوت بين تقييده بوجهة النظر العلمية وحبه الشديد للقراءة حتى عند ذهابه للنوم ولا سيما قراءة موسوعة بريتانيكا، باحثًا عن مجالات وعناصر جديدة من عناصر التشويق. تكمن مدى عبقرية "بيل" إلى حد ما في أنه حصل على 18 براءة اختراع تم منحها باسمه فقط و12 براءة اختراع حصل عليها مناصفةً مع مساعديه، ولكن لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب. وشملت هذه البراءات 14 براءة اختراع خاصة بالتليفون والتلغراف وأربع براءات خاصة بجهاز الفوتوفون وبراءة اختراع واحدة خاصة بالفونوغراف وخمس براءات للمركبات الهوائية وأربع براءات للطائرات المائية وبراءتي اختراع لخلايا السيلينيوم. لقد امتدت اختراعات "بيل" لتشمل العديد من المجالات كما تضمنت metal jacket للمساعدة في عملية التنفس ومقياس قوة السمع الذي يكشف عن مشكلات السمع الثانوية وأداة لاكتشاف الكتل الجليدية وإجراء العديد من الأبحاث على كيفية استخلاص الملح من ماء البحر إلى جانب العمل على اكتشاف موارد بديلة للوقود . كما تطرق "بيل" للعمل على إجراء بحوث طبية شاملة واخترع العديد من التقنيات التي تساعد في تعليم الصم لكيفية الكلام. وخلال الفترة التي قضاها في معمل فولتا، اعتبر "بيل" ومساعدوه أن تأثير المجال المغناطيسي على تسجيل الأسطوانة يعد وسيلة لاستخراج الصوت. وعلى الرغم من أن الثلاثة قاموا بتجربة هذه الفكرة، فإنهم لم يستطيعوا تطوير النموذج الأصلي القابل للتشغيل. لقد تخلوا عن هذه الفكرة تمامًا، ولم يدركوا أنهم أشاروا إلى أحد المبادئ الأساسية الذي ربما في يوم من الأيام قد يتم تطبيقه على جهاز التسجيل على الشرائط ومحرك الأقراص الصلبة ومحرك الأقراص المرنة والوسائط الممغنطة الأخرى. كما استخدم "بيل" في منزله الخاص أنواعًا بدائية من التكييفات الهوائية التي تحتوي على مراوح تعمل على تدفق تيارات الهواء خلال كتل كبيرة من الجليد. كما أنه توقع مواجهة العديد من المشكلات الناجمة عن نقص الوقود والتلوث الصناعي. كما أنه برر ذلك بقوله إن غاز الميثان قد يتم استخراجه من نفايات المزارع والمصانع. وفي مزرعته في نوفا سكوتيا بكندا، قام بإجراء تجارب على أدوات ومواد الزينة المركبة التي تستخلص الماء من الجو. وفي حوار له أدلى به لإحدى المجلات والذي نُشِرَ قبيل وفاته، فإنه ركز على مدى إمكانية استخدام أشعة الشمس في تدفئة المنازل.
علم تحسين النسل
ومن بين العديد من المفكرين والعلماء البارزين في هذا الوقت، ارتبط "بيل" بحركة تحسين النسل التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك. وفي محاضرة له تحت عنوان Memoir ناقش فيها المعلومات التي تتعلق بتعدد الإصابة بالصمم في الجنس البشري وألقاها في الأكاديمية الوطنية للعلوم National Academy of Sciences في يوم 13 نوفمبر عام 1883، ذكر فيها أنه إذا كان يعاني الأب والأم من الصمم الخِلْقي، فإنه على الأرجح أن ينجبا أبناء صم كما أنه قال على سبيل التجربة إنه لا ينبغي زواج الصم من بعضهم البعض .ومع ذلك، فإن هواية تربية الحيوانات التي أحبها دفعته إلى أن يكون عضوًا في لجنة تحسين النسل التي أقامها عالم الأحياء "ديفيد ستار جوردن" David Starr Jordan تحت رعاية الجمعية الأمريكية لهواة تربية الحيوانات (The American Breeders Association). كما عملت هذه اللجنة على توسيع هذه الفكرة لتشمل الجنس البشري. وفي الفترة من 1912 حتى 1918، كان رئيس مجلس المستشارين العلميين بمكتب التسجيل لتحسين النسل The Eugenics Record Office الملحق بمعمل كولد سبرينج هاربور في نيويورك وشارك دائمًا بانتظام في حضور الاجتماعات التي يتم عقدها. وفي عام 1921، كان رئيس شرف للمؤتمر الدولي الثاني لعلم تحسين النسل والذي عُقِدَ تحت رعاية المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي The American Museum of Natural History في نيويورك. كما تبنت منظمات مثل تلك التي أشرنا إليها أمر إصدار قوانين تحدد التعقيم الإلزامي للأفراد الذين يعتبرون، كما يُطلق عليهم "بيل"، فئة من البشر تعاني من قصور ما". وفي نهاية القرن التاسع عشر، كان لدى ما يقرب من نصف الولايات الأمريكية قوانين خاصة بعلم تحسين النسل كما استُخدمت القوانين التي وضعتها ولاية كاليفورنيا لتحسين النسل كنموذج لقوانين تحسين النسل في ألمانيا النازية.
الأوسمة والجوائز التي حصل عليها
في عام 1880، حصل "بيل" على جائزة فولتا والتي قُدرت بـ 50000 فرنك (أي 10000 دولار أمريكي) تقديرًا لاختراعه التليفون من الأكاديمية الفرنسية L’Académie française التي تمثل الحكومة الفرنسية في باريس. ومن بين العلماء البارزين الذين قرروا ذلك "فيكتور هوجو" Victor Hugo وألكسندر دوماس بير Alexandre Dumas, père. يرجع الفضل لـ "نابليون بونابرت في أنه صاحب فكرة جائزة فولتا في عام 1803 لتكريم عالم الفيزياء الإيطالي "أليساندرو فولتا" Alessandro Volta على قيامه بتطوير البطارية الكهربائية. (كما أن كلمة "الفولت" - وحدة قياس جهد التيار الكهربائي - المستخدمة حديثًا قد اشتقت من اسمه.) ولما أصبح "بيل" في سعة من العيش، بدأ في إنفاق المال الذي حصل عليه من جائزة فولتر لتشييد عدد من الأبنية الاجتماعية داخل واشنطن وخارجها وذلك من خلال جائزة "فولتا" الرمزية التي حصل عليها: صندوق فولتا ومعامل فولتا ومكتب فولتا. ومن خلال شراكته مع "جاردينر هوبارد"، استطاع "بيل" تأسيس مجلة لنشر العلوم في عام 1883 . ففي عام 1888، أصبح "بيل" واحدًا من الأعضاء المؤسسين للجمعية الجغرافية الوطنية، وأصبح رئيسها الثاني (1897-1904) كما أنه كان عضوًا في مؤسسة سميثسونيان (1898-1922). كما أنه حصل على العديد من الجوائز التقديرية. كما نال وسام الشرف من الحكومة الفرنسية ومنحته الجمعية الملكية للآداب في لندن ميدالية ألبرت في عام 1902 كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ويسبرج الألمانية، بافاريا. كما حصل على ميدالية إديسون من AIEE (المعهد الأمريكي لمهندسي الكهرباء) في عام 1914 "نظرًا لما حققه من إنجاز يستحق التقدير وهو اختراع التليفون". كما تعد البل (B) هي وحدة قياس التفاوت في مستوى الشدة بين صوتين متساويي التردد تم اختراعها في معامل
المواضيع المتشابهه:
fpe ugln uk lojvu hgjgdt,k 2024 K 2025 [hi. gg'fu